English

دور العمل على الذات في تحسين القيادة

يشهد عالم الأعمال تغيرات مستمرة في المجالات كافة، مما أدى إلى نشوء منظومة كاملة من المستشارين، والمحللين، والموردين لمساعدة المؤسسات على مجابهة هذه التغيرات، والاستعداد للمستقبل، ولكن يغفل هذا الخطاب المتكرر عن أهم محاور التغيير وأكثرها تأثيراً، ألا وهو العمل على الذات (Inner Work).

يبحث المقال في مفهوم العمل على الذات، ويوضح لماذا يسهم في النمو القيادي والتطور الشخصي، ويستعرض طرائق اعتماده في حياتنا المهنية.

أهمية العمل على الذات في القيادة

في آخر يوم له في منصب المدير التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك" (General Electric)، قال "جيفري آر. إيميلت" (Jeffrey R. Immelt): "القيادة هي رحلة إلى أعماق الذات"، وقد كان يعني أنَّ القائد الفعال، لا يقيَّم بما ينجزه؛ بل الأمر أعمق من ذلك بكثير، ويرتبط بالقائد نفسه.

لا تعد هذه الرؤية جديدة؛ بل يتردد صداها منذ قرون في كلمات الإمبراطور الفيلسوف "ماركوس أوريليوس" (Marcus Aurelius)، الذي حكم إمبراطورية مترامية الأطراف:

"بوسعك أن تعود إلى داخلك متى شئت، فستجد السكينة والصفاء. لا ملجأ أكثر راحة من روح الإنسان، حين تملؤها أفكار نبيلة تهبه الطمأنينة بمجرد التأمل فيها، وأؤمن أنَّ هذه السكينة، ليست سوى انعكاس لحُسن ترتيب أفكارنا".

يبقى معظم ما يُقال اليوم عن "تغيرات عالم العمل" من رقمنة، وانتقال إلى الحوسبة السحابية، والعمل الهجين، وتحسين الكفاءات التقنية في إطار التغيير الخارجي، بيد أنَّ الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون، هي أنَّ التحول الفعال والأعمق، لا يحدث في الأجهزة والأنظمة؛ بل في النفوس، فالعمل، كما نعرفه اليوم، يُختزل غالباً في المهام والأفعال الظاهرة، أو ما يُسمى "العمل الخارجي"، أمَّا ما نفتقده وما نحن في أمسِّ الحاجة إليه، فهو "العمل على الذات": ذلك الجانب العميق من النفس الذي يحسِّن تطويره نتائج العمل الخارجي ويضمن ديمومة النجاح.

العمل على الذات هام لازدهار الإنسان، ففي زمن لا يتجاوز فيه معدل من يصِفُون أنفسهم بـ"المزدهرين" في الولايات المتحدة 46.5%، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نُرتِّب أولوياتنا ونضع العمل على الذات في مقدمتها.

العمل على الذات ببساطة هو ممارسة تأملية تنبع من داخلنا، نعود فيها إلى ذواتنا الأصيلة وتجاربنا الحقيقية، ونمنح الوقت لمصادر الشغف، والإبداع، والابتكار في داخلنا.

مفهوم العمل الخارجي، وكيف يختلف عن العمل على الذات

قبل الخوض في مفهوم "العمل على الذات"، يجب أن نفهم نقيضه أولاً: العمل الخارجي، من خلال الاطلاع على كتاب "دليل الحائرين" (A Guide for the Perplexed) للمؤلف "إي. إف. شوماخر" (E.F. Schumacher)، الذي يوضح أنَّ العمل الخارجي، يشمل النشاطات التي تحدث خارج إطار ذواتنا، مثل حضور الاجتماعات، وتحليل البيانات، وإعداد العروض التقديمية، والتعامل مع الزبائن، وحتى التعاون مع الزملاء، وبعبارة أخرى، العمل الخارجي هو كل ما نقوم به لتقديم قيمة ملموسة في العالم الخارجي.

يقضي المهنيون جلَّ يومهم في العمل الخارجي، وتتركَّز جميع أهدافهم عليه، فيغفلون عن أهمية العمل على الذات الذي يعزز هذا العمل الخارجي ويدعمه، فالقرارات الصعبة، والحلول الإبداعية للمشكلات، وقدرة القائد على الإلهام، لا تصدر من العمل الخارجي وحده؛ بل تتطلب عملاً ذاتياً عميقاً.

يعزز العمل على الذات في اقتصاد المعرفة إنتاجيتنا اليومية، وله أثر قيِّم يتمثل في تحسين جودة قراراتنا، ومضاعفة إنتاجيتنا مضاعفة يصعب تحقيقها بالجهد الخارجي وحده.

تستهلك المهام الخارجية الجزء الأكبر من وقت العمل، وغالباً ما يُؤجَّل العمل على الذات إلى أوقات الفراغ، هذا وإن خصصنا له وقتاً أصلاً، وفي الواقع، ثمة نشاطات مثل: كتابة اليوميات، والتفكر، ومراجعة الذات، هامة للغاية، وتجعلنا أكثر فعالية وتأثيراً في حياتنا المهنية نفسها.

العمل على الذات

مفهوم العمل على الذات

العمل على الذات هو استكشاف التجارب الداخلية، وفهم تجارب الآخرين، لكنَّنا لم نعتد على التأمل الذاتي في البيئات المهنية، ونجد الأمر صعباً؛ لأنَّه غير مرئي أو ملموس أو واضح المعالم.

هناك شريحة شهيرة في عرض "ثقافة نتفليكس" (Netflix Culture Deck) تُبرز فكرة لافتة مفادها أنَّ أفضل الأعمال الإبداعية، تتفوق على الأعمال المتوسطة بمقدار 10 أضعاف، في حين أنَّ أفضل القرارات غير الإبداعية، لا تتجاوز ضعف جودة القرارات المتوسطة.

تسلط هذه المفارقة الضوء على قوة الإبداع في تحقيق نتائج غير تقليدية، مقارنة بالقرارات الروتينية التي، مهما كانت جيدة، تظل محدودة الأثر.

قد يصعب فهم أو حتى إدراك أهمية العمل على الذات؛ لأنَّ كثيراً من الأفراد لا يملكون تصوراً واضحاً عن نفوسهم، فمن لم يعمل مع كوتش أو معالج نفسي، قد لا يعي الحاجة إلى العمل على الذات أصلاً.

بينما يدور العمل الخارجي في فلك "العالم الخارجي"، فإنَّ العمل على الذات هو التفاعل مع نفوسنا.

يشكِّل هذا العالم غير الظاهر بأفكاره ومشاعره وقِيَمه العميقة رؤيتنا لما يحدث حولنا، ويؤثر في كيفية تفسيرنا للأحداث، وفي سلوكنا المهني والشخصي.

يشمل عالمنا الداخلي: الوعي الذاتي، واتخاذ القرارات، والخيال، والإيمان الروحي، والقِيَم الشخصية، والنماذج الذهنية؛ إذ إنَّ بعض هذه العمليات واعٍ ومقصود، وبعضها الآخر يعمل تلقائياً دون إدراك، ومع ذلك، فإنَّ هذه البنية الذهنية غير المرئية، هي المحرِّك الحقيقي الذي يشكِّل تعاملنا مع الواقع وهي أحياناً المصدر الأعمق لقدرتنا على الإبداع والتأثير في العمل والحياة.

يتكون العمل على الذات في ضوء هذا الفهم من:

  • أفعال أو نشاطات ذهنية تركز على العالم الداخلي لتحقيق غاية أو نتيجة محددة: قد يكون هذا الهدف هو "تنظيم أفكارك"، لمعرفة سبب انزعاجك من زميلك عن طريق التأمل الذاتي، أو التفكر في قِيَمك أو مبادئك.
  • العمل الأعمق على الذات: يشمل أموراً، مثل التحكم بناقدك الداخلي، وتقبُّل مشاعرك، حتى تفهم ما يشعر به الآخرون.

لا شك بأنَّ العمل على الذات، لا يشبه "العمل" بالمعنى التقليدي الذي نعرفه؛ لذا قد تشعر في البداية بنوع من الكسل أو الذنب لمجرد تخصيص وقت لهذا الأمر خلال ساعات العمل الرسمية، ولكن، لا يعني هذا أنَّ العمل على الذات، سهل ولا يتطلب مجهود، أو يُعَد نوعاً من الرفاهية؛ بل بخلاف ذلك تماماً، وقد يعود بفوائد هائلة على صحتك النفسية، ويمنحك الصفاء الذهني والراحة الداخلية التي تنعكس مباشرةً على جودة أدائك المهني.

أهمية العمل على الذات

قد تواجه صعوبة في العمل على ذاتك في البداية، لا سيما حين تطبق الممارسات خلال أوقات العمل، فكثير من الناس لا يعرفون كيف يمارسون التأمل أو اليقظة الذهنية في الدوام؛ بل وقد يتساءلون إن كان من الصحيح القيام بها أصلاً، رغم فوائدها العميقة على الصعيدين المهني والشخصي.

يجب تغيير عاداتنا اليومية في العمل لتقدير قيمة الراحة، والعودة إلى الذات، والانشغال بفهم إمكاناتنا، لتحقيق الأداء المستدام، فمجرد الاهتمام بالصحة النفسية والتوازن ينعكس إيجاباً في مشاعرنا وسلوكاتنا في العمل والمنزل، وهذه ليست سوى البداية؛ إذ إنَّ زيادة وعينا بتجاربنا الذاتية وممارسة التأمل والتفكر بانتظام، يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في طريقة تفاعلنا مع زملائنا، وفي جودة أعمالنا، وشعورنا العام تجاه العمل.

لعلَّ تطوير المهارات القيادية وتنمية التعاطف هي دوافع قوية لممارسة هذا النوع من العمل، لكنَّ الأهم أنَّ العمل على الذات، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيجاد المعنى والغاية من العمل ذاته.

فوائد العمل على الذات

قد تبدو فكرة تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية مغرية، لكنَّها قد لا تكون دافعاً كافياً لممارسة العمل على الذات في روتينك المهني اليومي، فحين تكثُر المهام الخارجية وتشعر بأنَّها أكثر أهمية، قد تؤجل العمل على الذات أو تتجاهله تماماً.

لكنَّ سبر أغوار النفس لا يعزز السعادة والرضى فحسب؛ بل هو وسيلة عملية لتصبح موظفاً أكثر كفاءة وفعالية، وحين تبدأ بملاحظة الأثر الإيجابي للعمل على الذات في إنتاجيتك وجودة عملك، ستدرك أنَّ ممارسته لم تعُد خياراً؛ بل ضرورة لا غنى عنها.

على سبيل المثال: يمكن لتمرينات بسيطة، مثل التنفس الواعي والتأمل أن تساعدك على استعادة الاتزان العاطفي وسط ضغوطات العمل، كما أنَّ لحظة من التأمل قبل اتخاذ قرار أو الرد على زميل، قد تؤثر تأثيراً عميقاً في إنتاجيتك، وجودة علاقاتك المهنية.

من أهم فوائد العمل على الذات أنَّه يقي من الاحتراق الوظيفي (Burnout)، ففي عام 2020، أفاد ما يزيد عن 68% من الموظفين بأنَّهم يشعرون بالاحتراق الوظيفي في العمل من المنزل، على الرغم من ارتفاع معدلات الاندماج.

يقلل العمل على الذات مشاعر الإنهاك، ويستعيد الشغف، ويرفع مستوى الاندماج، مما ينعكس على سعادتك وأدائك على حد سواء.

فوائد العمل على الذات في القيادة

ممارسة العمل على الذات دون الشعور بالذنب

يشعر كثير من الأفراد بالذنب حين يمارسون نشاطات خارج إطار "العمل الخارجي" في ساعات العمل، وهذا الإحساس المُتجذِّر في ثقافتنا الحديثة هو أحد المرتكزات التي انطلق منها الفيلسوف "جوزيف بيبر" (Joseph Pieper) في مقالته الشهيرة "الفراغ أساس الثقافة" (Leisure: The Basis of Culture)، والتي عادت إلى دائرة الضوء مجدداً في ظل تعقيدات عالم العمل المعاصر.

يقول "بيبر": "تنبع قيمة العمل المبالغ بها من أنَّ الإنسان، لا يثق في كل ما هو سهل، ولا يستمتع بشيء بضمير مرتاح إلَّا إذا ناله بمشقة وعناء، ويرفض تلقي أي شيء دون مقابل".

لم يُحصَر العمل دائماً في المهام أو الإنجازات الملموسة، فقبل الثورة الصناعية، كان للناس متَّسع من الوقت لممارسة العمل على الذات، مثل: التأمل، والقراءة، والحضور الذهني، والاتصال الذاتي.

صحيح أنَّ هذا النوع من العمل لا يفيد إذا كنت تعمل في مصنع نسيج؛ لأنَّ الإنتاج المادي هو المعيار، لكن إن كنت تعمل في مجال المعرفة، وتُقاس القيمة بـ الإبداع والقيادة والابتكار، فإنَّ العمل على الذات، ليس مفيداً فحسب؛ بل ضرورة جوهرية، ومن الهام أن ندرك أنَّ جوهر القيادة الحقيقي، لا ينبع من الخارج؛ بل من الداخل.

يتطلب التعبير عن ذات القائد خوض رحلة شجاعة تجاه أعماق النفس لاستكشاف القِيَم والهدف من الحياة، وقد لخَّص المفكر الأمريكي والمستشار الرئاسي الشهير "وارن بينيس" (Warren Bennis) ذلك بقوله:

"لا أحد يبدأ مسيرته بهدف أن يصبح قائداً؛ بل يسعى الناس لأن يعيشوا حياتهم ويعبِّروا عن ذواتهم، وحين يكون ذلك التعبير ذا قيمة، يصبحون قادة، فالقضية ليست تولِّي القيادة؛ بل توظيف ذاتك بكامل مهاراتك ومواهبك وطاقاتك، وذلك لتجعل رؤيتك واقعاً".

كيفية ممارسة العمل على الذات

لا تعد ممارسة العمل على الذات أمراً معقداً، فبضع دقائق يومياً قد يكفي لتبدأ رحلتك في استكشاف عالمك الداخلي وتلمس أثره الإيجابي في حياتك.

كما لا توجد طريقة معيَّنة لهذا النوع من العمل، فلكل منا أسلوبه المخصص، ويجب علينا فقط تطوير مجموعة من الممارسات التي تمنحنا مساحة للتأمل، وتفتح لنا أبواب الفهم الذاتي والاستكشاف العميق.

يجب أن تعُدَّ العمل على الذات رحلة تتألف من 3 أنماط رئيسة من النشاطات، تعزز جوانب مختلفة من الذات:

  • النظر إلى مكنونات النفس: هو جوهر العمل على الذات، الذي يقوم على تأمل المشاعر والأفكار والحالة النفسية والعقلية.
  • الخروج من المألوف: يتعلق بكسر الروتين والخروج جسدياً أو ذهنياً من دوائر التكرار والعادة.
  • التواصل مع الآخرين: يتعلق بمشاركة نتائج التأمل الداخلي مع شخص آخر.

طرائق النظر إلى مكنونات النفس

1. التفكر

هو التأمل العميق في موضوع معيَّن، سواء أكنت تتأمل فكرة بعين فاحصة أم تتصارع معها في داخلك، فهو يمنحك مساحة لفهم كيفية ارتباط هذه الفكرة بتحدياتك الحالية وبمنظومة قيمك. قد يحمل هذا التأمل في طياته شعوراً بالتحرر والإلهام، ويفتح آفاقاً جديدة لفهم نفسك ورؤية إمكانات مختلفة للوجود.

2. التأمل

هو اتحاد الجسد والذهن معاً في سبيل الارتقاء الروحي من خلال ملاحظة ما نشعر به جسدياً وعاطفياً، وما يدور في أذهاننا، فهو فعل يمنحنا إحساس التوازن والاستقرار.

3. كتابة اليوميات

يعزز تدوين الأفكار، والتجارب، والمشاعر القدرات العقلية، فهو لا يحسن فقط مهاراتك في حل المشكلات، بل يُوضح طريقة تعاملك مع المواقف وفهمك لحالتك العاطفية، ويُعد التدوين من أبسط ممارسات تصفية الذهن.

طرائق الخروج من المألوف

1. أخذ راحة

يمنحك الابتعاد عن روتينك اليومي فرصة ثمينة للتواصل مع قِيَمك، وشغفك، واهتماماتك، فالتفرغ لنفسك يتيح لك إعادة اكتشاف أهداف حياتك، وتجديد رؤيتك لما يهمك.

2. المشي

كان العالم "تشارلز داروين" (Charles Darwin) يلجأ إلى المشي كلما واجه مشكلات صعبة، فالنشاط البدني يحفز الإبداع، ويعزز التركيز، ويوفر ظروفاً مواتية للابتكار والخروج عن المألوف، مما يفتح المجال أمام أفكار جديدة وغير متوقعة تعزز الإبداع.

3. القراءة

من المعروف أنَّ القراءة تثري آفاق التفكير، وتحفز الخيال، وتخفف التوتر، فهي تتيح العيش داخل قصة شخص آخر، وتعزز قدرتك على التعاطف وفهمك لتجارب وثقافات مختلفة، مما يُثري نظرتك للعالم ويُعمِّق وعيك الإنساني.

4. تنظيم الوقت

نظِّم يومك بما يتيح لنفسك فيها فرصة الابتعاد عن الصخب وتصفية ذهنك، وخصِّص وقتاً محدداً في جدولك اليومي لهذا التمرين الذهني الهام، كي تبقى أولوية لا تؤثر فيها المهام الأخرى.

الخروج من المألوف لتحسين القيادة

طرائق التواصل مع الآخرين

1. التفلسف

يعد التفلسف على غرار التأمل وسيلة لتوسيع آفاقك من خلال التعمق في موضوع معيَّن، وذلك من خلال مشاركة شخص أو اثنين في حوار منظم لطرح الأسئلة الكبرى ومحاولة استكشاف الإجابات عن طريق النقاش العميق والمفتوح.

2. العمل مع كوتش أو معالج نفسي

إنَّ إعادة النظر في منظومة القِيَم، وتحليل أنماط التفكير الذاتي، والتأمل في العلاقات الشخصية أمر صعب ومرهق؛ بل ومربك أحياناً، وفي مثل هذه الحالات، من المفيد التحدث في مساحة آمنة وسرية.

يقدِّم كل من الكوتش والمعالج النفسي منظوراً خارجياً، وتغذية راجعة بنَّاءة، ومساحة للمساءلة تساعدك على إدراك إمكاناتك الحقيقية.

كيف تهتم المؤسسات بالعمل على الذات؟

عند تجاهل العمل على الذات، نصبح أكثر عرضة للاكتئاب والتوتر والاحتراق الوظيفي، مما ينعكس سلباً على جودة قراراتنا ويُضعف قدراتنا الإبداعية، ولعلَّ أحد أسباب الانتشار الواسع لحالات غياب الاندماج أو السُمِّية في بيئة العمل هو اعتقاد الناس بأنَّ وظيفتهم تقتصر على أداء "العمل الخارجي"، دون إفساح المجال لـ "العمل الداخلي"، لكن في الأعمال الإبداعية، ترتبط جودة النتائج إلى حد كبير بجودة الحالة الداخلية.

تقع على عاتق القادة مسؤولية فتح هذا الطريق وتمهيده للفِرق؛ إذ يتراجع أداء الموظفين نتيجة غياب الوضوح الذاتي، وعدم القدرة على تحديد الأولويات الشخصية والمهنية.

كلنا مررنا بالحالة التالية: شعور بالتيه، ومحاولات يائسة للسيطرة على الأمور، لندرك في النهاية أنَّ كل خطوة متسرعة، لا تُقرِّبنا من الهدف؛ بل تزيدنا بُعداً عنه؛ لذا يجب أن يسعى المديرون لدعم كل من يقرر خوض "رحلة تجاه ذاته"؛ فحين يستند العمل الخارجي إلى أساس داخلي راسخ، يغدو العمل مصدراً عميقاً للرضى في حياة الإنسان.

يمكن أن يكون مكان العمل مساحة لاكتشاف ذواتنا، مثل: الاهتمامات الجديدة، والقدرات الكامنة، وفرص النمو، لكنَّ استثمار هذه الاكتشافات، يتطلب التأمل الواعي، وهو ما لا يُتاح بسهولة وسط إيقاع العمل المتسارع، وما نتعلَّمه من ذلك كله هو أهمية التوقف للحظة، والابتعاد عن دوَّامة المهام، والالتفات إلى داخلنا لنطمئنَّ على أنفسنا.

يجب أن تكوِّن المنظمات مجتمعاً يُجسِّد ممارسات العمل على الذات بواقعية، ويمنح كل موظف يوماً كل 3 أشهر يخصصه بالكامل لهذا العمل.

لا نتوقع من كل مؤسسة أن تمنح موظفيها يوماً كاملاً للتأمل، لكن من أعظم الهدايا التي يمكن تقديمها للفِرَق هو الوقت المخصص للغوص في ذواتهم، فحتى تخصيص 15 دقيقة فقط من التأمل أو القراءة أو جلسة كوتشينغ، قد يُحدث فرقاً كبيراً.

إنَّ أعظم فرصة أمامنا اليوم هي إعادة تعريف فكرة العمل، والابتعاد عن قوائم المهام التي لا تنتهي، وجعله مساحة للنمو الشخصي، تقودنا لِحياة أعمق خارج العمل أيضاً.

نحن نعيش في زمن مهووس بالكم والسرعة، لكنَّنا نُهمل العمل الداخلي الذي يعزز الجودة ويُعيد التوازن.

في الختام

يتطلب حُسن القيادة إتاحة الفرص للفريق كي ينمو ويتطور، ويُعد الاهتمام بالعمل على الذات وسيلة فعالة لتحقيق نتائج متميزة، مع تمكين الأفراد من تطوير ذواتهم في الوقت نفسه.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى